'القاروص' و'جدورة'.. قصة ملاحم وتتويجات بطلي سوسة في مصارعة الأكباش
فرض سيطرته وبطشه في حلبات النزال في ما يعرف بالعاميّة "البطاحي" في عدّة مناسبات، فثلاثون "نطحة" برأسه الأقرن الصلب كافية لتُهين غريمه و تلْحق به العار على مرأى جموع من المتفرّجين.
تناهي إلى مسامعنا انجازات "القاروص" لعلّ آخرها إحرازه لبطولة سوسة صنف الفرناني الحرّ إثر فوزه على "الغزّول" بالبلاد العربي ما خوّله للتأهّل لخوض بطولة تونس وهو حاليا ينتظر التعرّف على خصمه.
أثار"القاروص" شغفنا بملاقاته والولوج لعالم مصارعة الكباش الذي اقترن بشبّان الأحياء الشعبيّة المهمّشة وتأصّل في تقاليدهم منذ عقود من الزمن. وباتت هذه الهواية متنفّسا لهؤولاء الشبّان يلجؤون إليها هربا من هموم الحياة وتعقيداتها ومن شبح البطالة الذي يخيّم عليهم ويدفع ببعضهم للانحراف أو خوض غمار تجربة ما يسمّى بقوارب الموت.
الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد الزوال، في حي الرياض وهو ثاني أكبر حيّ في الجمهورية من حيث الكثافة السكّانية، يقطنون به متساكنون من مختلف ربوع الجمهورية، حللنا في ضيافة "معين لسود" مربّي الكبش المسمّى ب "القاروص" بعد عناء في التنقّل إلى أحد الأحياء الشعبية المكتظة في ضواحي سوسة.
"القاروص" يستقبلنا بالكوفيّة الفلسطينية
وما إن وصلنا معقل الكبش حتّى وجدناه ينتظرنا في فناء المنزل على غير عادته، فنادرا ما يغادر المخزن وهو مكان ضيّق يوثّق داخله بحبل غليظ وقصير ،في هذا التوقيت المخصّص عادة لتناول وجبته.
تهيّأ " القاروص" لهذا اللقاء حيث كان موشّحا بالكوفيّة الفلسطينية ثائرا منتفضا وكأنّه يصدح بأنّ النصر آتٍ لا مُحال في غزّة الأبيّة وقد سيطر عليه الشموخ والأنفة.
أمّا قرناه فتزيّنا بميداليتين تحصّلا عليهما إثر فوزه في منافستيْن وو حول رقبته حزاما مزركشا مصنوعا من الجلد مرصّعا بصدفات البحر تطيّرا من العين الحاسدة.
يقول معين وهو من هوّاة مصارعة الكباش" لقد حافظت على تسمية الكبش بعدما اقتنيته من تونس العاصمة.. وطلب منّي أن أتمعّنه لأكتشف وجه الشبه مع سمكة القاروص من حيث الحجم والضخامة."
ويضيف معين " لقد رفع "القاروص" رؤوسنا بفوزه في سبع مباريات متتالية وظفره ببطولة سوسة مبديا أمله في أن يحقّق بطولة تونس.
وأسرّ لنا معين أنّه رحل من تونس نحو بلد أوروبي وعاد إليها بغير رغبة منه لكن انغماسه في تربية الأكباش وهوسه بهذه الهواية أنساه تلك التجربة.
تحضيرات حثيثة لبطل استثنائي
وعن التحضيرات التي تسبق هذه النزالات، يوضّح محدّثنا أنّ كبشه يتّبع نظاما غذائيا محدّدا إذ يتناول البقول والأعلاف والدرع والذرّة حتى تزداد قوّته وبسالته فضلا عن كونه يخضع لفحص الطبيب البيطري كلّ ثلاثة أشهر للتأكد من سلامته قبل تناطحه إلى جانب تدريبه على رياضة المشي في مكان غير بعيد عن مضجعه على أطراف الحيّ يعرف ب"الزيتون" فيقوم بتدليكه ممرّرا كلتا يديْه على صوفه المجزوز.
ويردف القول" أصبح "القاروص" بمثابة الابن ومن واجبي العناية به ورعايته غير أنّ ذلك يتطلّب ميزانية كبرى ليكون ذا مردودية عالية في "البطحاء" ويطيح بمنافسيه في وقت وجيز وقد يهرعون خوفا منه قبل بداية النزال وتلك علامة القوّة والهيبة التي يفرضها في الميدان.
ويواصل " لقد تمخّضت مبادرة من أبناء حي الرياض من المولعين بهذه الرياضة بتكوين مجموعة أطلق عليها تسمية "الفلاّقْة" للمساهمة في هذه الجهود والمشاركة باسمها في مباريات "تسييب الأكباش" كما يحلو له تسميتها.
الهواية يحكمها قانون خاص!
غير أنّ هذه الهواية الشعبيّة تحتكم لقانونها الخاصّ والذي يفرض على صاحب الكبش المنهزم التفريط فيه بالبيع بسعر الخرفان التي تباع في الأسواق وليس بالسعر الذي تم شراؤه إبّان مجده وسطوته والذي يتراوح وفق محدثنا بين 10 و 20 ألف دينار ويتجاوز هذا المبلغ بكثير في أحيان أخرى، في حين تكتّم محدّثنا عن سعر "القاروص" لأنّه ما يزال في غمار المنافسة.
ويعلّق معين على هذه الوضعية بالقول" أصعب ما في هذا الغرام هو التخلّي عن كبش رافقك طيلة سنوات سواء بالبيع بأبخس الأثمان أو بإكرامه بالذبح... للأسف هذا قانون اللعبة"
"جدورة" صاحب لقب بطولة سوسة ومنفّذ 600 نطحة في 5 نزالات
وبينما نصمّ آذاننا من دويّ تلاحم أقران "القاروص" ظهر علينا "جدورة" وهو كبش آخر من أصل "فرناني ممتاز" نسبة لجبال فرنانة لا يقلّ شأنا عنه ففي رصيده 5 انتصارات وحاز كأس بطولة سوسة وأغلب أصحاب الكباش في ولاية تونس وولايات أخرى يخشونه حسب بلال غرّابة أحد المنتمين لمجموعة" الفلّاقْة".
ويقول بلال"يعتبر "جدورة" الاستثناء فهو من أفضل الأكباش التي عرفتها ساحات المصارعة حيث قام بمجموع 600 نطحة أي تلاحم بالأقران خلال 5 نزالات وهذا الرقم عصيّ على الأكباش من صنفه وفق قوله.
ويشير محدّثنا إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك أتاحت لهم فرصة بعث صفحات خاصّة بمحبّي هذه الهواية ومربّي الأكباش حيث تضبط مواعيد النزال يتشاركون مقاطع فيديو توثّق بطولات أكباشهم في ساحات المصارعة.
إيناس الهمّامي